التمييز بين الكرامة والمعجزة
كرم الله -عز وجل- عباده بأمور غير عادية، تنقسم إلى معجزات تخص أنبياءه ورسله، والمعروفة بالمعجزة، وأخرى تتعلق بعباده الصالحين وتسمى كرامة. هنا نستعرض كل منهما بالتفصيل.
تعريف المعجزة والكرامة
المعجزة هي حدث خارق للعادة، يتجاوز القوانين الطبيعية ويتعذر على البشر تحقيقه. يتم تنفيذها من قبل النبي المُرسل، كدليل على نبوته. أما الكرامة، فهي ما يظهره الله لأوليائه الصالحين، وهي ليست خارجة عن المألوف، والأصل فيها الإخفاء وعدم التحدي.
تعتبر المعجزة أحداثًا خارقة تتطلب ظهورها في العادة لتكون دليلًا على صدق النبي، في حين أن الكرامة تخرج من أيدي الأتقياء، وتظهر بشكل خاص وقد تحمل فتنة للناس. إذا تكررت الكرامة، قد تصبح عادة وليس لها نفس المصداقية كما في حالة الأنبياء الذين يتبعهم الناس.
الفروقات بين المعجزة والكرامة
تتميز المعجزة عن الكرامة بعدة جوانب، نذكر منها ما يلي:
- المعجزة ترتبط بدعوى النبوة، وهي شاملة دائمًا، بينما الكرامة تحدث نتيجة الاستقامة على شرع النبي دون ادعاء للنبوءة. يتفقان في كونهما من الأمور الخارقة.
- معجزات الأنبياء تُعتبر كبرى، حيث تجري على يديهم بالعصمة في أعمالهم. الكرامة، من جهة أخرى، هي من معجزات رسول الله، تُعتبر صغرى، لأن صاحبها قد يرتكب الأخطاء في أعماله.
- المعجزات تُعد ضرورية لهداية الناس، بينما الكرامة تحدث وفق حاجة الولي لتعزيز إيمانه أو تفريج كربته، وليس بالضرورة أن يكون مُصطَفًا لأداء هذه المعجزات.
وقد ثبت عند أهل السنة والجماعة أن هنالك العديد من الكرامات لبعض أولياء الله الصالحين، ومن أهم الأمثلة:
- كرامات أصحاب القبور من أولياء الله، كظهور الأنوار والملائكة ووجود سكينة عندهم، وشفاعة الشهداء. ومع ذلك، ينصح بتجنب ممارسة أي طقوس عند قبورهم تجنبًا للمفاسد.
- عند دفن الإمام البخاري، صدرت عن تراب قبره رائحة أطيب من المسك، واستمرت تلك الرائحة لعدة أيام. تم رؤية أعمدة بيضاء في السماء بمحاذاة قبره، مما أثار دهشة الناس.
أمثلة المعجزات
توجد العديد من المعجزات المذكورة في القرآن الكريم، نذكر منها:
- معجزة عيسى عليه السلام، قال الله -تعالى-: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾.
- معجزة موسى عليه السلام، حيث قال الله -تعالى-: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾، وقوله -تعالى-: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾.
- معجزات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- تشمل القرآن الكريم، والمعراج، وانشقاق القمر، ومخاطبته لقتلى بدر، وحنين جذع النخلة. قال الله -تعالى-: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
قال الله -تعالى-: ﴿سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بِعَبدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. وأيضًا: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾. إن معجزة القرآن هي أعظم المعجزات التي أُنزلت على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، التي تحدى بها البشر جميعًا.