تفسير سورة المزمل مكتوب، حيث أن القرآن الكريم هو هداية ورحمة من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، وهو تعريف بأحكام الله وصفاته وأفعاله، وأنه هو الخالق الذي لا إله إلا هو، وأن كتبه ورسله وأنبيائه حق من رب الحق.
كل سورة قرآنية نزلت لسبب معين، وموعظة وحكمة، بهدف تعليم المؤمن وتأمل عظمة الله سبحانه وتعالى. ومن بين تلك السور، تظهر سورة المزمل كأحد أبرز السور التي نزلت على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ولها سبب معروف.
في مقالنا اليوم، نتناول سبب تسمية هذه السورة بالمزمل، وسبب نزولها، وتفسير آياتها بشكل عام، وما نستخلصه من هذه السورة الكريمة، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى حول سورة المزمل.
سبب نزول سورة المزمل
- لكل سورة في القرآن الكريم أسباب للنزول تتعلق بأحداث معينة وقعت مع النبي أو الصحابة رضي الله عنهم.
- في حالة سورة المزمل، جاء خطاب الله لنبيه محمد صل الله عليه وسلم قائلاً (يا أيها المزمل).
- هذا الخطاب وقع في بداية الوحي، قبل الشروع في نشر الرسالة، وبعدها تم مخاطبة النبي بكل من صفة النبي والرسول.
- لذلك، نزلت هذه الآية خلال بداية الدعوة الإسلامية حين كان النبي صل الله عليه وسلم في غار حراء يستقبل الوحي من جبريل عليه السلام، وعاد بعدها مرتجفًا وطلب المساعدة قائلاً (زملوني، زملوني).
- أنزل الله تلك الآية يا أيها المزمل في تلك الفترة، وقبل أن يُخاطب بالنبي والرسول كما أشرنا.
رواية عائشة رضي الله عنها في سبب نزول سورة المزمل
- قالت: “كنت أصنع للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرًا ليصلي عليه في الليل، فتسامع الناس به.
- فلما رأى كثرتهم كره أن يُفرض عليهم قيام الليل.
- فدخل البيت كالمغضب، وسمعهم يتحدثون، فخرج إليهم ليقول، أيها الناس، اكلفوا من الأعمال ما لا تطيقونه.
- فإن الله لا يمل من الثواب حتى وإن كان العمل قليلًا، فنزلت الآية (يا أيها المزمل)”.
فضل سورة المزمل
القرآن الكريم هو منهج المؤمنين والبشرية ككل، وتطبيق أحكامه ونصوصه هو السبيل الوحيد للنجاح في الدنيا والآخرة.
من يبتعد عن هذا المنهج يُعتبر خاسرًا، ومن المعروف أن قراءة القرآن الكريم تمنح الأجر والثواب العظيم، حيث أن الله سبحانه وتعالى يمنح كل مجتهد أجره.
كما أن للقرآن فضل كبير للإنسان المؤمن عند قراءته والعمل به، وعندما نتحدث عن فضل سورة المزمل، هناك ما يروى عن أبي بن كعب رضي الله عنه حيث قال:
- “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض القرآن في السنة التي فيها مرتين.
- وقال إن جبريل عليه السلام أمرني أن أقرأ عليك القرآن وهو يقرئك السلام، فقال: عندما قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لي خاصة.
- فخصني بثواب القرآن مما علمك الله؟ قال: نعم، أي مسلم يقرأ فاتحة الكتاب يُمنح الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن.
- ومن قرأ سورة المزمل، فإن الله سيخفف عنه العسر في الدنيا والآخرة.”
- وعن ابن الجوزي رحمه الله، قال: “وذكر في كل سورة ثواب تاليها حتى نهاية القرآن.
- وهذا الحديث في فضائل السور مُصنّع بلا شك.”
تفسير سورة المزمل
بسم الله الرحمن الرحيم، (يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلاً، نصفه أو نقص منه قليلاً أو زد عليه، ورتل القرآن ترتيلاً، إنما سنلقي عليك قولًا ثقيلًا، إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً، إن لك في النهار سبحًا طويلاً، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلًا، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلًا).
- عند تفسير الآية، نجد أن الله تعالى أمر نبيه بأن يقوم الليل لعبادته.
- وأوضح له أن يقوم بنصف القيام أو أقل أو أكثر، وقد استجاب النبي لأمر ربه.
- كما ذكر الله تعالى أثر قيام الليل وقراءة القرآن الكريم ومدى أهميتهما للمؤمنين.
- كما أن قراءة القرآن ليست الأمر الثقيل بل لها ثقل كبير في الميزان.
- وساعات الليل هي أفضل أوقات العبادة والتقرب إلى الله عز وجل.
(واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرًا جميلًا، وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلًا، إن لدينا أنكالًا وجحيمًا، وطعامًا ذا غصة وعذابًا أليمًا، يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلًا.
إنا أرسلنا إليكم رسولًا شاهدًا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذًا وبيلًا).
- تظهر هذه الآيات بأن الله تعالى يأمر الرسول أن يصبر على أذى الكفار، وهو أمر شاق يحتاج إلى قوة وثبات لنشر الدعوة.
- كما أن الشكر على النعم يجلب الزيادة، بينما الجحود يؤدي إلى العقاب.
- أتت التذكير بأهوال يوم الحساب وقصة فرعون كعبرة وتهديد للمشركين، فتكون الرسالة من الله حق في النعيم أو الجحيم.
تفسير سورة المزمل
(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك، والله يُقدّر الليل والنهار، علم أن لن تحصوه فتاب عليكم، فاقرأوا ما تيسر من القرآن، علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يقاتلون في سبيل الله، فاقرأوا ما تيسر منه، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واقرضوا الله قرضًا حسنًا).
- يخاطب الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلمه بأن الله مطلع على قيامه في الليل وعلى إخلاص من معه.
- ويقدر مشقة قيام الليل، ويريد أن يخفف عنهم، وبالتالي لا تحديد لوقت معين للقيام أو قراءة القرآن.
- كذلك، هناك تخفيف عن المسلمين الذين قد لا يستطيعون القيام بسبب المرض أو السفر أو الجهاد.
- فقد يسّر الله لهم العبادة بما يناسب ظروفهم كرحمة منه للمؤمنين.
- التيسير كذلك يُعتبر عذرًا لمن يتخلف عن أداء الصلاة أو قراءة القرآن أو حتى الزكاة، فكل عمل تقربًا لله له جزاء وثواب.
- وأيضًا، فالمغفرة التي تأتي من نية صادقة هي نصيبك من الأجر والثواب.
- إجمالًا، تفسير سورة المزمل يوحي بأن الله رحيم بنبيه وأمته، فقد خفف فعل قيام الليل وفرض الصلوات المكتوبة، بينما جعل قيام الليل أمرًا مفتوحًا حسب مقدرة المؤمن.
- وأي عمل يقوم به المؤمن، حتى لو كان بالقليل، فله تأثير عظيم في الدنيا والآخرة.