تُعد سورة النور من السور المدنية التي تركز بشكل كبير على الأخلاق والآداب الإنسانية. تتكون هذه السورة من أربع وستين آية، وفي هذا المقال سنستعرض تفسير الآية: “رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله”.
تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
يتضمن تفسير الآية (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) ما يلي:
- وصف الله سبحانه وتعالى رجالاً من أتباعه يحرصون على الصلاة في المساجد بهذه الصفة النبيلة.
- وذلك لأن هؤلاء هم الرجال المخلصون الذين لا تلهيهم أمور الدنيا عن أداء الصلاة وذكر الله عز وجل، مهما كانت مشاغلهم المالية.
- هؤلاء الرجال يبرهنون على أن حب المال لا يُعفيهم من واجبهم تجاه الله، فبادروا إلى إنفاق أموالهم في سبيل الله وعلى المحتاجين وأوجه الخير المختلفة.
- حيث يسارعون إلى أداء زكواتهم مهما بلغت أموالهم دون تأخير.
- وقد خص الله الرجال بهذه الصفة لأن الصلاة تجب عليهم في المساجد دون النساء.
- لذا، فإن المعنى العام يشير إلى أن الرجال الصادقين هم الذين لا تُشغلهم تجارتهم أو أعمالهم عن أداء الصلوات الخمسة.
- ويعملون على أدائها في أوقاتها، كما لا يقصرون في دفع زكواتهم.
- عندما يقول الله تعالى: (تتَقلّبُ فيهِ القُلُوبُ والأبْصَاْر)، فإنه يقصد أن مواظبتهم على الصلاة والزكاة والأعمال الصالحة نابعة من خوفهم من يوم القيامة الذي تصبح فيه القلوب في حالة اضطراب والأبصار مفتوحة من هول الموقف.
- أما ذكر الله عز وجل (إقامة الصلاة) بدلاً من أداء الصلاة، فهو يدل على ضرورة قيام المؤمن بالصلاة المكتوبة بجميع شروطها من تركيز في القلب، خشوع في الجوارح، ومراقبة لله تعالى.
آراء المفسرين في تفسير الآية
هذا عرض مختصر لتفسير آية: “رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله” وفقاً لبعض المفسرين.
تفسير السعدي:
- يُشير الله إلى رجال يبتغون رضا الله ولا يفضلون متاع الدنيا على عبادة الله، وأن طبيعتهم تعني أنهم لن يُشغلهم الثروات عن الطاعة.
- ورغم صعوبة التنازل عن ملذّات الحياة، يسّر الله هذا الأمر للمؤمنين بذكر مواقف يوم القيامة.
تفسير البيضاوي:
- هؤلاء الرجال لا يُشغلهم التجارة أو البيع عن ذكر الله وأداء الفرائض.
- فالتجارة مع الله هي الربح الحقيقي، حيث يُخصص البيع ليكون أداة لتحقيق هذا الربح.
- بالرغم من طاعتهم العميقة، تظل قلوبهم ترتجف من أهوال يوم القيامة، مما يفتح أعينهم على الأمور التي قد لا تدركها في السابق.
التفسير الميسر:
إنهم رجال لا تلهيهم عمليات الشراء أو البيع عن ذكر الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فقد خشوا من يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار.
المختصر في التفسير:
رجال لا تُشغلهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وأداء الصلاة وإيصال الزكاة لمستحقيها، وهم يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك.
تفسير الجلالين:
رجالٌ هم المخلصون، لا تشغلهم التجارة أو البيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويخشون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار بسبب الهول.
تفسير البغوي:
يخصص الله الرجال بالذكر لأن النساء غير ملزومات بالصلاة في المساجد، ويذكر التجارة كونها أكثر ما يُشغل الناس، لذا يتلهى هؤلاء الرجال بالتجارة لأداء الصلاة، ولا يُخفيهم خوف يوم تتقلب فيه القلوب.
التفسير الوسيط:
مدح لهؤلاء الرجال الذين لا تُشغلهم التجارة أو البيع عن ذكر الله، ويخافون يوماً عظيماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.
تفسير ابن كثير:
تشير الآية إلى الرجال الذين يتركون مشاغلهم لأداء الصلاة، إذ أن هؤلاء هم الممدوحون في الآية.
تفسير القرطبي:
يخصص الرجال بالذكر لأن النساء لا يوجبن حضور الجمعة، ويشير إلى أن التجارة تُعتبر أبرز انشغالات البشر، لذا جاءت الآية لقوم الأسواق.
شرح معاني مفردات الآية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
فهم المفردات يعزز تفسيرهم، ومن هنا:
- رجال: جمع كلمة رجل، للإشارة إلى الذكور البالغين.
- تلهيهم: مصدرها التلهي، بمعنى الانشغال عن الأمر وعدم اكتراث المرء به.
- تجارة: استثمار الأموال عبر بيع وشراء لتحقيق الربح.
- بيع: عملية تبادل بضائع بمقابل مادي.
- الصلاة: الركن الأوّل من أركان الإسلام المقررة على جميع المسلمين.
- الزكاة: الركن الثاني، ويُعد مقدار من المال يُعطى للمحتاجين في ظروف مُحددة.
- يخافون: مصدر الخوف، وهو انفعال نتيجة توقع مكروه أم فقد شيء محبوب. تتقلب: تعني التغير والاضطراب. القلوب: جمع قلب، العضو الذي يضخ الدم للبدن.
إعراب آية: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
فهم إعراب الكلمات في الآية أمر ضروري للحصول على النطق الصحيح، وإعرابها هو كالتالي:
- رجال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
- لا: نافية.
- تلهيهم: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء.
- تجارة: اسم مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
- ولا: الواو حرف عطف، و(لا) زائدة.
- بيع: اسم معطوف على (تجارة) مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
قطوف مستوحاة من الآية: قطوف مستوحاة من الآية الكريمة
للآية تأثير عميق على قلوب المؤمنين، حيث تتضمن معاني ترغيب وترهيب نعرضها فيما يلي:
- يعد قياس الرجولة بشدة الالتزام بأوامر الله -عزَّ وجلَّ- والابتعاد عن نواهيه.
- عُمّار المساجد الذين يذكرون الله هم أهل الخير والفضل.
- رغم أن البيع والتجارة مُجزاة في الدين، إلا أن الله يُحب من المؤمن أن يتجنب انشغاله بها عن ذكر الله.
- تقديم القيم العليا مثل الخوف من الله يساعد المسلم على اتخاذ القرارات السليمة.
- من الحكمة أن يُقدم المسلم الأفعال الواجبة على الأمور المستحبة.
- يجب الاعتراف بأن مواقف يوم القيامة صعبة، وهكذا يقتضي العمل بإخلاص وإحسان.