اختلافات بين القضاء النهائي الذي لا يقبل الطعن والقضاء المؤجل الذي يتمتع بطابع الاستئناف

التمييز بين القضاء المبرم والقضاء المعلق

تعريف القضاء المبرم

يُعتبر القضاء المبرم بمثابة القضاء المطلق، حيث يشير إلى ما قد تم تقديره في علم الله -عز وجل-، وهو أمر لا يتغير ولا يُعدَّل أو يؤخر. وقد كتب الله -جل وعلا- هذا القدر قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام، كما ورد في قوله: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا).

أكد الله -تعالى- في العديد من الآيات في كتابه الكريم أن كلماته لا تتغير ولا تتحول؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأم حبيبة: (قدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شيئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شيئًا عن حِلِّهِ).

ويشير الإمام النووي -رحمه الله- إلى أن الأوقات والأرواح والأرزاق مُقدرة حسابًا، بحيث لا يمكن تجاوز ما حدده الله -جل وعلا- وعلمه الأزلي، مما يجعل من المستحيل زيادة أو نقصان أي منها.

تعريف القضاء المعلق

يُعرَف القضاء المعلق بأنه مرتبط بمسؤوليات الملائكة الذين يقومون بمهام محددة بأمر من الله -تعالى-. حيث يشمل هذا النوع من القضاء إمكانيات الزيادة والنقصان، والتغيير، باعتباره يتصل بأمور مثل العمر والرزق، وفق ما يشاء الله -تعالى-. على سبيل المثال، قد يأمر الله -جل وعلا- الملك المختص بإنسان يبلغ من العمر خمسين عامًا بزيادة ثلاثين عامًا له إذا قام بزيارة أقاربه.

في هذه الحالة، قد كُتب في علم الله الأزلي -جل وعلا- أنه سيقوم بزيارة أقاربه، مما يؤدي إلى تعديل الفترة الزمنية المكتوبة في صحف الملائكة، مع بقاء ذلك ثابتًا في علم الله وقد جُمع في اللوح المحفوظ.

بناءً على ذلك، فُسِّرَ قوله -تعالى-: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). ومما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أجر صلة الرحم سيؤدي إلى إطالة العمر وتأخير الأجل.

كما روَىَت عائشة -رضي الله عنها- حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوضح فيه أن القدر مُسلط بطرق لا مفر منها، ولكن الدعاء يعد وسيلة لحماية النفس من البلاءات التي تُنزل من السماء.

وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الدعاء يُصطدم بالقضاء المبرم، مما يؤدي إلى مواجهة متبادلة حتى يوم القيامة، ولذلك يُعتبر الدعاء من أقوى الوسائل لدفع البلاء ورفعه.

مواقف الدعاء مقابل القضاء المبرم

يختلف الدعاء في تصديه للبلاء حسب مجموعة من الظروف والأحوال، ومنها:

  • قوة الدعاء يمكن أن تساهم في رفع البلاء.
  • ضعف الدعاء قد يؤدي إلى عدم القدرة على دفع البلاء، مما يجعل الفرد عرضة للأسى.
  • توازن القوة بين البلاء والدعاء، حيث تبقى المواجهة قائمة حتى يوم القيامة.

طرق دفع البلاء قبل حدوثه

توجد عدة وسائل للدفع عن البلاء ومنع حدوثه، منها:

  • عبادة الشكر

فالشكر والامتنان تُعَدّ سببا رئيسياً لزيادة النعم ورد البلاء. إذا شكر المرء الله -تعالى- على نعمة ما، فإن تلك النعمة ستبقى، أما في حالة الكفر فستتلاشى. قال الله -تعالى-: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). وهذه الآية تعكس أهمية الشكر في الحفاظ على النعمة.

  • عبادة التقوى

من يتأمل فضائل التقوى في كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يدرك أنها الوسيلة لتحقيق الخير في الدنيا والآخرة. تعتبر التقوى مفتاح الفرح والسعادة، وتساعد على دفع البلاء، إذ لا تُعاقَب المجتمعات إلا بالغفلة أو إهمال الالتزام بالتقوى.

  • الالتزام بالطاعات وتجنب المحرمات

العمل على تعزيز العبادات، والامتثال لأوامر الله، والابتعاد عن المعاصي يُعدّ طريقًا هامًا لعكس البلاء، ويجلب الخير والسرور.

  • عدم التعرض لأولياء الله -تعالى- المعروفين بالصلاح

حيث أن الاعتداء عليهم قد يؤدي إلى نزول البلاء. ولي الله -عز وجل- لا يتعرض له الأعداء إلا ويغلبون؛ لمساندة الله -تعالى- له.

  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تعتبر غفلة المجتمعات عن النصح والإنكار للمنكرات أحد أسباب حصول البلايا، ولكن إذا قام الناس بالمشاركة في الإصلاح والدعوة لله -تعالى-، فإن البلاء يُرفع.

  • صلة الرحم

تعتبر صلة الرحم وسيلة فعّالة لدفع البلاء وزيادة بركة العمر والمال.

  • الاستعاذة واللجوء والتوكل على الله -تعالى-

تمثل خطوة للهروب إلى حماية الله، وهي من الأساليب الفعالة لدفع البلاء.

Scroll to Top