الصحابية خولة بنت ثعلبة
يظل التاريخ الإسلامي شاهداً على شخصيات خالدة تُحيي ذكراهم الأجيال عبر العصور. وقد خلَّد القرآن الكريم قصص هؤلاء الأفراد لتكون عبرة للأجيال القادمة. ومن أبرز هؤلاء، الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة، المعروفة بالمجادلة. فقد نزلت في شأنها آيات تُقرَأ إلى الأبد. وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك بن الدخشم الأنصارية من قبيلة الخزرج، زوجة الصحابي أوس بن الصامت، الذي هو أخو عبادة بن الصامت.
قصة الظهار
قامت خولة بحكاية قصة الظهار عندما ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت، وهو رجل مسن. وتعني كلمة الظهار أن يقسم الرجل بأن زوجته كظهر أمه، مما يحرم عليه العودة إليها، وهو أمر كان يتمتع بأهمية كبيرة في الجاهلية، حيث كان يعد أقسى من الطلاق. وقد ورد عن ابن عباس قوله: “كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت علي كظهر أمي، حرّمت عليه”.
تروي خولة أنه في حقها وفي حق أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة. وتقول: “كنت عنده وكان شيخاً قد ساء خلقه وضجر. دخل علي ذات يوم فتناقشت معه في أمر ما فغضب، وقال: أنت علي كظهر أمي، ثم خرج وجلس مع قومه بينما كنت في حيرة. وعندما عاد، نوى الاقتراب مني، فقلت: كلا، والذي نفسي بيده لا تخلص إلي حتى يحكم الله ورسوله في أمرنا”.
وفي شكواها، قالت: “يا رسول الله، إنّ أوسًا قد تزوجني شابة غنية ذات أصول وأموال وفيرة، إلا أنه مع تقدم سني وذهاب مالي وتشتت شؤوني، أخبرني أنه جعلني كظهر أمه، وقد ندمنا على ما حدث. لدي منه أطفال صغار، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا”. عندها، نزلت آيات الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله -تعالى-: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.
روت عائشة -رضي الله عنها-: “سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا بجوار البيت، وكان بعض كلامها خفيًا علي”. وبمجرد نزول القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوجها: (اعتق رقبة، فقال: لا أجد. ثم قال: صم شهرين متتابعين، فقال: إذا لم آكل ثلاث مرات في اليوم خفت على بصري. فقال: أطعم ستين مسكيناً. فرد عليه: فأعني، فعونه بشيء من المساعدة).
تعليم خولة لعمر بن الخطاب
خرج عمر بن الخطاب من المسجد برفقة الجارود العبدي، حيث رأوا امرأة مسنّة على جانب الطريق. فبدأ عمر بالسلام عليها، فردت عليه التحية قائلة: “ويحك يا عمر: أتذكّر كيف كنت تُعرف عميراً في سوق عكاظ تخيف الأطفال بعصاك؟ وقد مضت الأيام حتى أصبحت تُدعى عمر”.
ثم أضافت: “ولم تمضِ الأيام حتى أصبحت أمير المؤمنين، فاتق الله في رعايتك، واعلم أن من خاف الوعيد قُرّب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت”. فرد الجارود قائلاً إن المرأة زادت في كلامها على أمير المؤمنين، لكن عمر قال: “دعها، ألا تعرفها؟ هذه خولة بنت حكيم، التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، ولذا فإن عمر أولى بابتلاع نصيحتها”.