قصائد ذات قيمة عالية

قصائد خالدة

إليكم مجموعة منتقاة من القصائد البارزة:

قصيدة مدح للشاعر نزار قباني

يقول نزار قباني:

متى ستدرك مدى حبي لك يا رجل

أستطيع أن أبيع الدنيا وما فيها من أجلك

يا من تحديت في حبك له مدن

بماضيها وسأستمر في تحديها

إذا طلبت البحر في عينيك، سأسكبه

أو الشمس في كفيك سأرميها

أنا أحبك على السحاب أكتبها

وأحاديثي للطيور والأشجار أسردها

أنا أحبك فوق الماء أنقشها

وللأقداح والعناق أسقيها

أنا أحبك يا سيفًا أسال دمي

يا قصة، لا أدري كيف أعبر عنها

أنا أحبك، حاول أن تساندني

فمن بدأ المأساة عليه أن ينهيها

ومن فتح الأبواب عليه أن يغلقها

والمشعل للنيران، يجب أن يطفئها

يا من تدخن في صمت وتتركني

في البحر، أرفع مرساتي وألقيها

ألا تراني غارقة في بحار الحب

والأمواج تلتهم آمالي وتلقيها

انزل قليلًا عن الأهداب يا رجل

ما زلت تقتل أحلامي وتحييها

كفاك اللعب دور العاشقين معي

واتخذت كلمات لا تعنيك

كم اخترعت رسائل سأرسلها

وأفرحتني بزهور ستنهدى إليها

وكم ذهبت لوعد لا وجود له

وكم حلمت بملابس سأشتريها

وكم تمنيت لو طلبتني للرقص

وحيرتني ذراعي أين أضعها

ارجع إلي، فإن الأرض واقفة

كأنما فرت من ثوانيها

إرجع، فبعدك لا عقد أعلق

ولا لمست عطوري في أوانيها

لمن جمالي ومن شال الحرير ومن

ضفائري التي أربيها منذ أعوام

إرجع كما كنت، سواء كنت صحوًا أم مطر

فما هي حياتي إن لم تكن معك

قصيدة رثاء للشاعر أحمد شوقي

يقول أحمد شوقي:

في الموت ما يعيا وغير أسبابها

كل إنسان رهن بكتابه

أسد، لعمرِك، من يموت بظفره

عند اللقاء كما لو يموت بنابه

إن نام عنك فكل طبٍ نافع

أو لم ينم، فالطب من أذناه

داء النفوس، وكل داء قبله

همٌ نسي مجيئه بذهابه

النفس، حرب الموت إلا أنها

أتيت للحياة وشغلها من بابها

تسع الحياة على طويل بلاياها

وتضيق عنه على قصير عذابه

هو منزل الساري وراحة رائح

كثُر النهار عليه في إنعابه

وشفاء هذه الروح من آلامها

ودواء هذا الجسم من أوجاعه

من سرَّه ألا يموت فبالعُلا

خلد الرجال وبالأفعال النبيلة

ما مات من حاز الثرى آثاره

واستولت الدنيا على آدابه

قل للمُدِلِّ بماله وجاهه

وبما يُجلُّ الناس من أنسابهم

هذا الأديم يصد عن حضارته

وينام ملء الجفن عن غيابه

إلا فناء يمشي عليه مُجدِّدًا

ديباجتيه مُعَمِّرًا بخربه

صادت بقرعة الصعيد بعوضة

في الجو صائده بازه وعقابه

وأصاب خرطوم الذباب صفةً

خلقت لسيف الهند أو لذبابه

طار بخافية القضاء ورأرأة

بكرامتيه ولمست بلعابه

لا تسمعَن لعصبة الأرواح ما

قالوا بباطل علمهم وكذابهم

الروح للرحمن جل جلاله

هي من ظنائن علمه وغیابه

غلبوا على أعصابهم فتوهَّموا

أوهام مغلوب على أعصابه

ما آب جبّار القرون وإنما

يوم الحساب يكون يوم إيابهم

فذروه في بلد العجائب مُغمَدًا

لا تشهروه كأمس فوق رقابهم

المستبد يُطاق في ناووسه

لا تحت تاجيه وفوق وثابه

والفرد يؤمن شره في قبره

كالسيف نام الشر خلف قِرابه

هل كان توت عنخ آمون يتقمص روحه

قميص البعوض ومُستخف إهابهم

أو كان يجزيك الردى عن صحبةٍ

وهو القديم وفاؤه لصحابه

تالله لو أهدى لك الهرمين من

ذهبٍ لكان أقل ما تُجزى به

أنت البشير به وقيم قصره

ومقدم النبلاء من حجابه

أعلمت أقوام الزمان مكانه

وحشدتهم في ساحته ورحابه

لولا بنانك في طلاسم تُربه

ما زاد في شرفٍ على أترابه

أخنى الحمام على ابن همّة نفسه

في المجد والباني على أحسابهم

الجائِبُ الصخر العتيد بحاجرٍ

دبّ الزمان وشبّ في أسرابه

لو زايل الموتى محاجرهم به

وتلفتوا لتحيروا كضبابة

لم يئل صبرًا ولم ينِ همّةً

حتى انثنى بكنوزه ورغابه

أفضى إلى ختم الزمان ففضّه

وحبا إلى التاريخ في محرابه

وطوى القرون القهقرى حتى أتى

فرعون بين طعامه وشرابه

المندل الفيّاح عود سريره

واللؤلؤ اللمّاح وشي ثيابه

وكان راح القاطفين فرغن من

ثمارِهِ صُبحًا ومن أرطابه

جدثٌ حوى ما ضاق غورده بمبيعاته

من هالة الملك الجسيم وغابته

بنيان عمران وصحْرُ حضارةٍ

في القبر يلتقيان في أطنابه

فتجده هناك عند مشيبه

مثل الزمان اليوم بعد شبابه

وتحس هناك العلم عند عبابه

تحت الثرى والفن عند عجابه

يا صاحب الأخرى، بلغت محطةً

هي من أخي الدنيا مناخ ركابه

نزلٌ أفاق بجانبيه من الهوى

من لا يفيق وجد من تلاعبه

نام العدو لديه عن أحقاده

وسلا الصديق به هوى أحبابه

الراحة الكبرى ملاك أديمه

والسلوة الطولى قوام ترابه

وادي الملوك بكت عليك عيونه

بمرقرق كالمزن في تسكابه

ألقى ببيض الغيم عن أعطافه

حزنًا وأقبل في سواد سحابته

يأسى على حرباء شمس نهاره

ونزيل قيعته وجار سرابه

ويود لو ألبست من برديه

بردين ثم دفنت بين شِعابه

نوهت في الدنيا به ورفعته

فوق الأديم بطحاها وهضابه

أخرجت من قبر كتاب حضارةٍ

الفن والإعجاز من أبوابه

فصَّلته فالبَرق في إيجازه

يبنى البريد عليه في إطنابه

طلعت على لوزانة والدنيا بها

وعلى المحيط ما وراء عبابه

جئت الشعوب المحسنين بشافعٍ

من مثل متقن فنهم ولُبابه

فرَفعت ركنا للقضية لم يكن

سحبان يرفعه بسحر خطابهم

قصيدة عتاب للشاعر مصطفى صادق الرافعي

يقول الرافعي رحمه الله:

تمايل دهرُكَ حتى اضطرب

وقد ينثني العطف لا من طرب

ومرَّ زمانٌ وجاءَ زمان

وبينَ الزمانين كلُّ العجب

فقومٌ تدلوا لتحت الثرى

وقومٌ تعالوا لفوق الشهب

لقد وعظتنا خطوبُ الزمان

وبعضُ الخطوبِ كبعضِ الخطب

ولو عرف الناس لم تهدهم

سبيل المنافع إلا النوب

فيا ربَّ داء قد يكون دواءً

إذا عجز الطب والمستطب

ومن نكد الدهر أن الذي

أزاح الكروب غدا في كُرَب

وإن امرءاً كان في السالبين

فأصبح بينهُم يستلب

ألست ترى العربَ الماجدين

وكيف تهدمَ مجد العرب

فأين الذي رفعته الرماح

وأين الذي شيدته القضب

وأين شواهق عزٍ لنا

تكاد تمسُّ ذراها السحب

لقد أشرق العلم لما شرقنا

وما زال يضؤل حتى غرب

وكنا صعدنا مراقي المعالي

فأصبح صاعدنا في صبب

وكم كان منا ذوو همةٍ

سمت بهم لمعالي الرتب

وكم من هزبرٍ تهز البرايا

بوادره إن ونى أو وثب

وأقسمُ لولا اغترار العقول

لما كف أربابها عن أرب

ولولا الذي دب بينهما

لما استصعبوا في العلا ما صعب

ومن يطعم النفس ما تشتهي

كمن يطعم النار جزل الحطب

ألا رحمَ اللهُ دهرا مضى

وما كاد يبسم حتى انتحب

وحيَى لياليَ كنا بها

رعاةً على من نأى واقترَب

فملكًا نقيل إذا ما كبا

وعرشًا تقيمُ إذا ما انقلب

سلوا ذلك الشرق ماذا دهاه

فأرسله في طريق العطب

لو أن بنيه أجلوا بنيه

لأصبح خائبهم لم يخب

فقد كان منهم مقر العلوم

كما كان فيهم مقر الأدب

وهل تنبت الزهر أغصانه

إذا ماء كل غدير نضب

وكم مرشدٍ بات ما بينهم

يُسام الهوان وسوء النصب

كأن لم يكن صدره منبعًا

لما كان من صدرهِ ينسكب

ومن يستبق للعلا غايةً

فأولى به من سواه التعب

وليس بضائر ذي مطلبٍ

إذا كفه الناس عن ما طلب

فكم من مصابيح كانت تضيء

بين الرياح إذا لم تهب

وما عيبتُ من صدف لؤلؤٌ

ولا عابَ قدر التراب الذهب

بني الشرق، أين الذي بيننا

وبين رجال العلا من نسب

لقد غابت الشمس عن أرضكم

إلى حيث لو شئتم لم تغب

إلى الغرب حيث أولئك الرجال

وتلك العلوم وتلك الكتب

وإن كان مما أردتم فما

تنال العلا من وراء الحجب

فدوروا مع الناس كيف استداروا

فإن لحكم الزمان الغلب

ومن عاند الدهر فيما يحب

رأى من أذى الدهر ما لا يُحب

Scroll to Top