الإسراء والمعراج: رحلة النبي محمد من مكة إلى القدس وصعوده إلى السماء

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

أنعم الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدد هائل من المعجزات، لدرجة أن ابن القيم ذكر في مؤلفاته أن عددها قد يتجاوز الألف. ومن بين هذه المعجزات ما وقع وانتهى، ومنها ما هو مستمر حتى يوم القيامة. ومن هذا القبيل تأتي المعجزة الكبرى، ألا وهي القرآن الكريم. ومن جوانب إعجاز القرآن العديد، حيث تحدّى الله تعالى فصحاء العرب بأن يأتوا بمثل القرآن، لكنهم عجزوا عن ذلك. كما يتمتع القرآن بمعجزات أخرى تتعلق بإخباره عن الغيب، حيث تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمسائل مستقبلية حدثت كما ذُكرت. بالإضافة إلى ذلك، قدم القرآن أحكامًا وتشريعات لم يكن ليصل إليها الناس لولا توجيه القرآن الكريم، حيث يحتوي على العديد من الإخبارات والأسرار العلمية التي لا تزال الأبحاث الحديثة تكشف عنها وتؤكد صحتها بمرور الزمن.

وعلى الرغم من أن القرآن الكريم هو المعجزة العظمى للرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن لديه معجزات أخرى أيضًا. من بينها حادثة الإسراء والمعراج، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي بعض الأحاديث النبوية الصحيحة. ومن معجزاته كذلك انشقاق القمر، الذي أشار إليه القرآن ووردت فيه السنة المطهرة، وكذلك تكثير الطعام في يديه الشريفتين ليكفى مع أصحابه. كما نبع الماء من بين أصابعه، والذي شرب منه الجيش وتوضأوا به. وقد أخبر الصحابة بأمور مستقبلية، وقعت تمامًا كما ذكرها. ومن معجزاته أيضًا حنين جذع الشجرة إليه عندما صعد المنبر. وكما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أحداث شفاء المرضى في حضرته. وقد تميزت هذه المعجزات بتوثيقها في مؤلفات العلماء، مثل كتاب “دلائل النبوة” للإمام البيهقي و”أعلام النبوة” للماوردي.

حادثة الإسراء والمعراج

تجلت حادثة الإسراء والمعراج في آخر فترة من إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة. وقد قيل إنها وقعت في شهر رجب، بينما يُشير بعض المؤرخين إلى احتمالات أخرى. خلال هذه الفترة، واجه الرسول الكريم أشد أنواع الأذى والتكذيب من قريش الذين كانوا يزدادون إساءة له وللمسلمين يومًا بعد يوم. ولذا، أراد الله تعالى أن يرفع معنويات نبيه ويهبه تجربة روحانية عظيمة، تضمنت الإسراء بمعنى الرحلة الأرضية من مكة إلى بيت المقدس. قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)، في حين أن المعراج هو الرحلة السماوية من بيت المقدس إلى السماء السابعة ثم إلى سدرة المنتهى، حيث شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم آيات الله العظيمة.

بدأت رحلة الإسراء والمعراج أثناء نوم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أتى بعض الملائكة وقاموا بشق صدره وإخراج قلبه، ثم جلبوا طشتًا من ذهب مُملوء بالإيمان والحكمة. تم غسل قلبه ثم أعيد إلى مكانه، مما كان تهيئة له للرحلة العظيمة القادمة. بعد ذلك، جاء البراق ليحمله إلى بيت المقدس، حيث استقبله جبريل عليه السلام حاملاً إناء من الخمر وآخر من اللبن. اختار الرسول إناء اللبن، فقال له جبريل: “هُديت وهديت أمتك”. بعد ذلك، اجتمع الله سبحانه وتعالى بجميع أنبيائه في بيت المقدس، حيث صلى بهم رسول الله ركعتين كإمام، مما يظهر مكانته الرفيعة، ويرمز إلى أن رسالته ناسخة لكل الرسالات السابقة. ثم صعد به جبريل إلى السماء، حيث استقبله الملائكة في كل سماء بالترحيب.

وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في كل سماء نبيًا من الأنبياء؛ ففي السماء الأولى كان آدم، وفي الثانية عيسى ويحيى، وفي الثالثة يوسف، والرابعة إدريس، والخامسة هارون، والسادسة موسى، والسابعة إبراهيم. كان كل نبي يرحب به. ثم توجه إلى سدرة المنتهى، حيث أوحى الله إليه بما شاء. وفرض عليه خمسين صلاة، وعندما قابل موسى، أخبره بأن أمته لن تستطيع الالتزام بخمسين صلاة، فعاد إلى الله طالبًا التخفيف، واستمر في ذلك حتى خُفّضت إلى خمس صلوات. كما رأى في رحلته الجنة والنار، وشاهد عذاب بعض المذنبين، وعاد إلى فراشه قبل شروق الشمس في تلك الليلة.

دروس مُستفادة من حادثة الإسراء والمعراج

تستخلص من حادثة الإسراء والمعراج العديد من العبر والدروس، من ضمنها:

  • أن الله تعالى يمنح نوازله لعباده بعد كل محنة يمرون بها. وقد أظهر ذلك واضحة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي عانى من أذى قومه، ولكن الله عوّضه بتلك الحادثة العظيمة.
  • عظمة مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في نظر الله، حيث خصّه بهذه الرحلة المميزة وأظهر له من الآيات العظيمة.
  • أهمية المسجد الأقصى والبيت الحرام في الإسلام، حيث جعلهما الله منزلةً خاصة تميزهما عن باقي المساجد.
  • ضرورة الصلاة وعظمتها في الإسلام، حيث كانت مباشرةً من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه في حادثة الإسراء والمعراج.
Scroll to Top